المؤشر الاجتماعي بين خطاب الدولة الاجتماعية ومأزق القطاع غير المهيكل.. دعم مباشر أم وهمٌ مُحكم الإخراج؟

 المؤشر الاجتماعي بين خطاب الدولة الاجتماعية ومأزق القطاع غير المهيكل.. دعم مباشر أم وهمٌ مُحكم الإخراج؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 28 ماي 2025 - 22:18

في خضم زخم اجتماعي يتسع يوما بعد يوم، وتحت ضغط انتظارات متنامية من الفئات الهشة والمتوسطة، عاد رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى منصة النقاش العمومي مدافعا عن "المؤشر الاجتماعي الموحد" بوصفه أحد الركائز الجوهرية لمشروع الدولة الاجتماعية، حيث أكد أنه ليس مجرد أداة تقنية لحساب الاستحقاق، بل مكسب وطني تتقاطع فيه إرادة الإصلاح مع دقة الاستهداف.

هذا المؤشر، الذي تصفه الحكومة بالثمرة المؤسساتية لعمل دؤوب قادته وزارة الداخلية بشراكة مع مؤسسات مركزية، يُقدّم اليوم كضمانة لتحقيق العدالة في توزيع الدعم المباشر، وكمدخل لإعادة رسم العلاقة بين الدولة والمواطن من زاوية الكرامة والإنصاف، غير أن هذا الطرح، وإن بدا منسجما مع خطاب الدولة الاجتماعية، يفتح الباب مجددًا أمام تساؤلات عميقة حول فعالية هذا النموذج الجديد في معالجة أعطاب سابقة، لطالما أفرزت فوارق مجالية واجتماعية صارخة، وأقصت آلاف الأسر المستحقة من منظومة الدعم، فبين التنظير لمؤشر يراهن على العدالة، وواقع اجتماعي موسوم بالهشاشة وتفشي القطاع غير المهيكل، يظل الرهان الحقيقي في قدرة هذا المؤشر على التحول من مجرد أداة قياس إلى آلية للتصحيح الاجتماعي، ومن رقم حكومي إلى أثر ملموس في حياة المواطنين.

رغم تأكيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في مداخلته أمام البرلمان أن المؤشر الاجتماعي الموحد ليس سريا، باعتبار أنه تم اعتماده بموجب مرسوم رقم 2.21.771 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 18 غشت 2021، والذي يحدد كيفيات تفعيل السجل الاجتماعي الموحد، إلا أن المعلومة المتداولة وسط المواطنين والخبراء على حد سواء، تُظهر أن فهم تركيبة هذا المؤشر ومكوناته ما يزال ضبابيا، ويكتنفه الكثير من الغموض.

فالمؤشر الاجتماعي الموحد ليس مجرد رقم واحد، بل هو حاصل تجميع نقاط متعددة يتم احتسابها استنادا إلى معايير اجتماعية واقتصادية دقيقة، تخص وضعية الأسرة ككل، وليس فقط دخلها، ويهدف هذا المؤشر إلى ترتيب الأسر وفق درجة هشاشتها واستحقاقها للاستفادة من البرامج الاجتماعية.

ويعتمد المؤشر، الذي خضع لتقييم من طرف لجنة تقنية متعددة القطاعات، تضم وزارة الداخلية وقطاع الميزانية والمندوبية السامية للتخطيط والوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، على مجموعة من المتغيرات القابلة للقياس (variables observables) منها معطيات السكن (نوعية البناء، التوفر على الماء والكهرباء، الملكية من عدمها...) الوضعية المهنية ومصدر الدخل، وعدد الأفراد في الأسرة، وخاصة عدد المعالين، الوضع الصحي لأفراد الأسرة، التعليم وعدد المتمدرسين، ملكية وسائل النقل أو الآليات (سيارة، دراجة نارية، جرار)، ويتم إدخال هذه البيانات في نظام معلوماتي مركزي، ليتم توليد "مؤشر رقمي" لكل أسرة يُعبّر عن درجة استحقاقها للدعم.

وفي هذا الصدد، يوضح إدريس بلكبير، الخبير في السياسات الاجتماعية في حديثه لـ "الصحيفة"، "المؤشر الاجتماعي الموحد يمثل نقلة نوعية من حيث كسر منطق التعميم والعشوائية الذي ميز برامج الدعم السابقة، كراميد وتيسير، وغيرها، ففكرة المؤشر تقوم على تقييم شامل لأوضاع الأسرة من منظور سوسيو-اقتصادي، وليس فقط على أساس الدخل الذي يصعب تتبعه في ظل تفشي القطاع غير المهيكل، لكن هذا التحول لا يزال جزئيا، لأنه لم يُواكب حتى الآن بنشر دوري للمعطيات المرتبطة بأداء المؤشر ومدى فعاليته في ضمان الإنصاف.

ويرى المتحدث، أن المؤشر ليس سرا من حيث المبدأ، "لكن الممارسة تكشف أن هناك نقصا كبيرا في التواصل المؤسساتي مع المواطنين، الذين يجدون أنفسهم أحيانا مرفوضين من الدعم دون تفسير واضح، وهذا في حد ذاته يهدد ثقة المواطنين في عدالة المنظومة ككل، ويُضعف شرعية المؤشر رغم نُبله النظري، ما يُثير أسئلة مشروعة حول حق الطعن وآليات إعادة التقييم، التي تبقى بدورها غير مفعّلة بشكل فعلي أو ميسّر على نطاق واسع."

وبحسب رئيس الحكومة، فإن المؤشر الاجتماعي مكّن من "تمكين 60% من الساكنة التي لا تتوفر على أي تعويضات عائلية من الولوج للدعم"، وهي نسبة مرتفعة تؤكد من جهة اتساع قاعدة الهشاشة الاجتماعية، ومن جهة أخرى تطرح تساؤلات حول مصير الفئات غير المشمولة رغم هشاشتها.

في مقابل ذلك، يغيب أي تقييم مستقل حول الأسر التي استُبعدت من الدعم رغم استحقاقها، خصوصا في المناطق القروية وشبه الحضرية، التي تعاني من ضعف التغطية الرقمية وضعف الولوج إلى خدمات القرب، كما لا توضح الحكومة إن كان المؤشر قد خضع لتحيين مستمر، خاصة أن تغير وضع الأسر يمكن أن يُفضي إلى خروج بعضها من دائرة الاستحقاق دون إشعار أو طعن.

رغم هذه الإشكالات التي أشار إليها الخبراء بشأن غياب المعطيات الكاملة حول المؤشر وتوزيعه الجغرافي وتأثيره الفعلي، فقد دافعت المديرة العامة للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، وفاء جمالي، عن هذا التحول، معتبرة أن "المغرب يعيش ثورة اجتماعية هادئة، محورها الانتقال من منطق الإعانة المؤقتة إلى تمكين اقتصادي واجتماعي دائم وشامل، من خلال استهداف دقيق، وتمويل مستدام، ومواكبة ترابية قريبة من المواطن".

وخلال مشاركتها في يوم دراسي حول ورش الحماية الاجتماعية أبريل الماضي، قدمت المسؤولة معطيات دقيقة حول حجم الدعم، إذ أشارت إلى أن ما يقارب 4 ملايين أسرة، تمثل حوالي 12 مليون فرد (ثلث سكان المملكة)، تستفيد حاليا من الدعم المباشر، بميزانية سنوية بلغت 25 مليار درهم برسم سنة 2024.

وأكدت أن ما يميز هذا الورش هو اعتماده على نظام استهداف موحد يعتمد على السجل الاجتماعي الموحد، مبرزة أن الهدف لم يعد يقتصر على توزيع الدعم، بل على قياس أثره الاجتماعي، وتمكين الأسر من تجاوز الهشاشة، عبر توجيه الدعم نحو الأطفال، الأرامل، المسنين، والأسر المعوزة التي لا تتوفر على دخل قار.

وفي قراءة أكثر عمقًا لهذا التحول، أوضحت جمالي أن "الدعم الاجتماعي لا يمكن أن يظل أداة إغاثة ظرفية، بل يجب أن يتحول إلى رافعة للتمكين"، كاشفة أن الوكالة تشتغل حاليا على إحداث تمثيليات ترابية محلية، بهدف مواكبة الأسر عن قرب، وضمان نجاعة التدخلات الاجتماعية في بعدها الميداني والإنساني.

وفي معرض حديثها، أشارت إلى قصة ميدانية لأسرة يتقاضى معيلها أقل من 2500 درهم شهريا، مؤكدة أن قيمة الدعم التي تتلقاها (636 درهما) تُشكّل ربع دخلها، لكنها رغم ذلك غير كافية دون مرافقة اجتماعية حقيقية تتضمن ولوج العمل، ودعم تمدرس الأطفال، وضمان الحد الأدنى من العيش الكريم، كما شدّدت على أن ورش الدعم الاجتماعي لا يزال في طور التفعيل التدريجي، لكنه يُراكم مكتسبات حقيقية على صعيد العدالة الاجتماعية، معتبرة أن "نجاح هذا الورش ليس حكوميًا فقط، بل نجاح وطني وجماعي في سبيل بناء دولة أكثر عدالة وتماسكًا".

من أبرز ما ورد في مداخلة رئيس الحكومة  عزيز أخنوش، أول أمس الثلاثاء هو إقراره بصعوبة اعتماد الدخل كمعيار لتوزيع الدعم المباشر بسبب تفشي القطاع غير المهيكل، فيما هذا التصريح يُعد اعترافا صريحا بعجز الدولة عن ضبط المداخيل الحقيقية لملايين الأفراد الذين يشتغلون خارج أي منظومة رسمية، ويؤشر إلى أن السياسات الاجتماعية الحالية مضطرة إلى التعامل مع مؤشرات ظرفية قد لا تعكس دائما الواقع الاقتصادي الحقيقي للأسر.

من جهة ثانية، فإن أن هذا الاعتراف لم يرافقه أي تصور بديل واضح لإدماج القطاع غير المهيكل ضمن منطق العدالة الاجتماعية، بل ظلّ الحديث محصورا في تبرير اعتماد الإمكانات السوسيو-اقتصادية كحل ظرفي، دون كشف تفاصيل حول كيفية بناء هذا التقدير، ومدى تطابقه مع الواقع الميداني.

وفي المحصلة، يمكن القول إن الحكومة تحاول عبر المؤشر الاجتماعي الموحد تجاوز إشكالات الاستهداف التقليدي، لكنها تصطدم بعقبات بنيوية لا تُحلّ بالتقنيات وحدها، بل تتطلب مقاربة شمولية تشمل إصلاح سوق الشغل، تعميم الحماية الاجتماعية، وتقوية الخدمات العمومية الأساسية، فالدولة الاجتماعية ليست فقط وعود دعم مالي مباشر، بل منظومة متكاملة من الإنصاف والكرامة والفرص، وبين خطاب الحكومة حول "المكاسب"، وصوت الأسر التي لم يصلها الدعم، تقف مؤشرات العدالة الاجتماعية أمام امتحان حقيقي.

في هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد التنموي عبد الرحيم لغريسي، أن المؤشر الاجتماعي الموحد هو خطوة متقدمة على مستوى النية في إرساء قواعد الدولة الاجتماعية، لكنه يبقى آلية تقنية لا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل، لأنها تشتغل في فراغ مؤسساتي ما زال يعاني من غياب السجلات الاجتماعية الموحدة والتغطية الشاملة للقطاع غير المهيكل.

وأوضح الخبير في تصريح لـ "الصحيفة": "عندما نقول إن 60% من المغاربة لا يستفيدون من أي تعويضات عائلية فهذا يعني أن المقاربة الاجتماعية في المغرب لعقود كانت مختلة، ومعالجة هذا الخلل لا يمكن أن تتم فقط عبر المؤشرات، بل بإصلاحات هيكلية تبدأ من السياسات الجبائية، مرورا بالاندماج الاقتصادي، وليس انتهاءً بجودة الإنفاق العام".

واعتبر المتحدث، أن غياب شفافية كاملة حول تركيبة المؤشر ومكونات أوزانه، يضعف من شرعيته، ويجعل منه أداة بيروقراطية أكثر منها سياسية، لذلك، من الضروري اليوم "إخضاع هذا المؤشر لتقييم مستقل، ونشر المعطيات الكاملة حول أدائه في استهداف الفئات الهشة، حتى لا يتحول إلى مجرد رقم آخر في أرشيف السياسات العمومية التي تُعلن أكثر مما تُنجز."

أما الباحث في السياسات الاجتماعية هشام المومني، فاعتبر أنه "من حيث التصور العام، يبدو أن الحكومة حاولت الانتقال من منطق الزبونية الاجتماعية إلى منطق الاستحقاق الاجتماعي، وهو تحول نظري محمود، لكن ترجمته الميدانية ما زالت متعثرة".

المؤشر الاجتماعي الموحد، رغم صدوره بمرسوم، وفق  المومني "ما زال غير مفهوم بشكل واسع لدى المواطن، حتى لدى الكثير من الفاعلين المحليين الذين يُفترض أن يواكبوا تنزيله. وهذا ما يخلق فجوة خطيرة بين مركز اتخاذ القرار وقاعدة الفعل الاجتماعي".

وشدّد المتحدث، في تصريحه لـ "الصحيفة"، أن إشكالية القطاع غير المهيكل التي اعترف بها رئيس الحكومة، هي فعلا نقطة ضعف رئيسية في هذا النموذج، لأنها تجعل من الاستهداف بناء على الدخل أمرا شبه مستحيل، "لكن هذا لا يعني أننا أمام مأزق مغلق، بل يفترض أن يكون ذلك دافعًا لتسريع إخراج السجل الاجتماعي الموحد ودمج الفئات غير المهيكلة في منظومة التغطية الاجتماعية الشاملة".

وفي غياب هذا المسار المتكامل، يرى الخبير أن الدعم المباشر المربوط بالمؤشر الاجتماعي "قد يظل محدود الأثر، وغير قادر على إحداث تغيير حقيقي في مستوى عيش الأسر الفقيرة أو الهشة.. والأسوأ، أنه قد يعيد إنتاج نفس منطق التوزيع غير العادل، فقط بصيغة تكنوقراطية أكثر حداثة."

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...